موقع ليبرالية

الأحد، 19 فبراير 2012

الرد الداوي على ليبرالية حمزاوي

عمرو حمزاوي سياسي صعد نجمه بسرعة و بقوة في الوسط الليبرالي المصري بعد 25 يناير 2011، و شعبيته المكتسبة إعلاميا حديثا ساعدته بالفوز بمقعد في برلمان ما بعد الثورة، و يحتسب حمزاوي على التيار الليبرالي أولا لأنه نسب لنفسه هذه الصفة في كثير من أحاديثه. ثانيا الكثير من أطروحاته الاجتماعية تشمل مفهوم ليبرالي… لكن السؤال هل هو ليبرالي حقا؟


ايمثل الدكتور عمرو حمزاوي الليبرالية والليبراليين?
و من منا ليبرالي حقا؟ فالليبرالية هي مذهب سياسي متحرر أو بمعنى دقيق حركة فلسفية سياسية تدعو لتحرر الإنسان من قيود اقتصادية و اجتماعية فرضت عليه. و الأفكار الليبرالية متنوعة فمنها الكلاسيكي و الاجتماعي و الاشتراكي و منها أيضا الديني. لذلك يبدو إن هناك تضارب كبير ما بين أفكار من يطلق على نفسه ليبرالي و ليبرالي أخر بسبب عمومية المصطلح في التداول الإعلامي. لكن كل الأفكار الليبرالية تتفق على مبدأ أساسي و هو وضع استقلالية الإنسان كفرد و احترام حريته الشخصية كحجر الزاوية لبناء أي مجتمع صحي و أي فكر يتعارض مع هذا المبدأ لا يمت إلي الليبرالية بصلة. و مع ذلك يوجد أيضا حالة مستعصية من التخبط و سوء الفهم لمعنى الليبرالية تماما من مدعيها و مراقبيها و ناقديها فهناك من يطلق على الماركسيين و الأناركيين بالليبراليين و هناك من يعتقد أن جميع العلمانيين ليبراليين. و وصلت حالة سوء الفهم لإطلاق لقب ليبرالي على شخصية من رموز الأخوان المسلمين مثل الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح المرشح الرئاسي خريج اكبر تيار ديني شمولي في مصر بسبب آراءه المتسامحة و البرجماتية على عكس أغلبية رموز هذا التيار… و قد تصل الحالة بالبعض أن يعتقد إن مجرد إلقاءه التحية على جاره المسيحي هي قمة الممارسة الليبرالية التي قد يفتخر بها. ثم تصل الحالة إلي الحضيض عندما يطلق المرشح السلفي لرئاسة الجمهورية السيد حازم ابو إسماعيل لقب ليبرالي على نفسه ربما لأنه يؤمن بالتشددية التدريجية و ليست الفورية.
و نعود للحالة الحمزاوية التي مرت بتغيرات خلال ثلاث مراحل، فمنا من تعرف بعمرو حمزاوي إعلاميا قبل 25 يناير، بصفة الباحث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي و المحلل السياسي على قنوات إخبارية مثل الجزيرة و البي بي سي، و تحليلاته دائما كانت موضوعية و أكاديمية بحتة قد يمل بها من لا يهتم بالشأن السياسي، و هنا اعترف بإعجابي بفكره الإصلاحي الذي كان يطرحه بأسلوب منظم و مقدرته على شرح آليات تحول الدول المركزية إلي دولة المؤسسات الديمقراطية۔
المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد 25 يناير و ظهر علينا عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالثوب الثوري المناضل و لذلك تضاءلت موضوعيته في نظير خطابه الشعبوي المخلوط بمصطلحات أكاديمية. في تلك المرحلة ظهرت بوادر الطامح ليكون زعيم سياسي، و لذا رأيت إن انسب دور له هو إن يكون مستشار سياسي لأي مرشح۔
ثم المرحلة الثالثة و هي مرحلة المرشح البرلماني، التي تطور خطابه الشعبوي و تم خلطه ببعض المصطلحات الروسوهية مثل العقد الاجتماعي و الصالح العام دون سياق موضوعي للحالة المصرية و يقذفها بنرجسية في وجه المتابع او المحاور له معللا بذلك انه “أكاديمي”، و نتيجة الخلط هو خطاب هجين غير مفهوم الملامح و لا يتخلله برنامج اقتصادي حقيقي يفيد الناخب و يبدو أن الكثير من الليبراليين قد تحولوا إلي سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبين بمنطق “عليا النعمة الراجل ده بيتكلم صح ما دام قال ليبرالية يبقى بيتكلم صح” ، بمعنى لم يهتموا تماما بمحتوى خطابه بقدر اهتمامهم به كشخص يدعي الليبرالية و له ظهور إعلامي مكثف يصلح أن يكون رمز. ثم أدت نرجسية عمرو حمزاوي و استغلاله للشعبية لتخليه عن تحالفات حزبية كثيرة بها رموز سياسية أخري حرصا منه على احتكار المشهد السياسي المدني و ممارسه تقمصه دور جان جاك روسو كفيلسوف الثورة المصرية۔
و كان يقدم دائما يقدم أعذار غير منطقية مثل انه ترك الكتلة المصرية لأنها “مليئة بالفلول” بالرغم إذ استعملنا هذا المنطق المناقض لليبرالية و هو اعتبار أي شخص كان عضو في الحزب الوطني المنحل بأنه فاسد فأنه ينطبق عليه شخصيا عندما كان عضو في الحزب الوطني و لجنة سياساته (طبقا لتصريح أستاذه حسن نافعة)، لكن الحقيقة انه أراد التنصل بدل من الدفاع عن المهندس نجيب ساويريس و اتهامات التيار الإسلامي له و تشبيه الكتلة المصرية بأنها الكتلة الصليبية. و مع ذلك رغم علمي بسطحية برنامجه الانتخابي إلا إني اعترف إني قمت بخطاء التصويت له و إقناع العديد من المقربين بالتصويت له ضد مرشح الكتلة محمود سالم الشهير ب”ساندمونكي”، ليس لأسباب تعيب سالم فانا احترمه كثيرا و لكن لأسباب برجماتية رأيت فيها ضعف حملة محمود سالم و صغر سنه قد يميل الكفة إلي مرشح الحرية و العدالة. و هو قرار أنا نادم عليه.
تحدث حمزاوي كثيرا في مناظراته و مقابلاته الإعلامية عن حقوق المواطنة الكاملة لأبناء الشعب الواحد و عندما قام خالد عبد الله بسؤاله في برنامجه على قناة الناس “هل تؤيد أن يطالب مواطن بحقه او يكتب في البطاقة ديانته كبهائي؟” ، كنت اعتقد أن حمزاوي سوف يهاجم هذا الاختراع التمييزي الذي يسمى بخانة الديانة في البطاقة او على الأقل يدافع على حق أي مواطن مصري في الاعتقاد و كتابة دينه كبهائي، لكنه رد بالنفي و قال إنه يتحدث عن غير المسلمين وفقا للشرائع السماوية و هي المسيحية و اليهودية. إذا نستنتج بأن مواطنة حمزاوي لا تعتبر البهائي و الملحد و غيره من المواطنين. بل هما من دون البشر و ليس لهم حقوق. ألا يندرج هذا تحت الإكراه في الدين ، ألا يحدد سماوية الدين أتباعه فقط و ليس العكس، بمعني اليهودية لا تعترف بسماوية المسيحية و الإسلام و البهائية، و المسيحية لا تعترف بسماوية الإسلام و البهائية، و الإسلام لا يعترف بسماوية البهائية و أذا ظهر دين جديد لن تعترف البهائية بسماويته. و هل هناك أي منطق ديمقراطي و ليبرالي و إنساني يجعل الأغلبية تحدد حقوق و مصير الديانات الأقلية الأخرى، هل يمكن للأغلبية الهندوسية في الهند بمنع المسلمين من أكل اللحوم باسم قدسية البقر؟
و في نفس الحديث قام حمزاوي بتصريح عن تأييده للرقابة على المواقع الإباحية، و هو ما اعتبره الناقدين (و هو يعلم جيدا هذا) بداية لسلسلة من حجب المواقع التي قد يراها الأغلبية البرلمانية ضد معتقداتهم فقد يتم حجب مواقع فنية أو سياسية معارضة مما سينتهك حقوق حرية التعبير و قد تصل الي حجب مواقع التواصل الاجتماعي بمحتوياتها المتعددة التي تغضب المتطرفين مثل ما يحدث في بعض الدول الظلامية المجاورة. و تبرير حمزاوي لتأييده بالرقابة هو حماية النساء و الأطفال من الاستغلال الجنسي، و هو تبرير ساذج… اولا/ لأنه لا يوجد مواقع مصرية إباحية لكي يحمي النساء و الأطفال من استغلاها لهم و إذا كان يقصد عالميا فهي ليست مسئوليته لأن لم يتم انتخابه كعضو في اليونسكو. ثانيا/ جميع دول العالم تحارب مواقع إباحية الأطفال و تجرمه و تقوم بمداهمة سيرفرات المواقع و ليست حجب الانترنت. ثالثا/ المسئولية مسئولية الفرد في حماية نقسه و أسرته من الإباحية رابعا/ مجلس الشعب هو مجلس نواب للشعب و ليس مجلس آباء للشعب. و للمزيد من موضوع حجب المواقع ألإباحية ارجوا قرأه التدوينة الرائعة معا ضد الإباحية، لكن الحجب ليس الحل. و أذا كان المبرر حماية النساء و الأطفال كما يزعم كان من الأوقع مناقشة تشريعات تحمي النساء المصرية من السياحة الجنسية الوافدة من الخليج و زواج المسيار و تشريعات تحمي أطفال الشوارع من الانتهاكات اليومية و الاغتصاب.
و المتابع لمناظرات حمزاوي مع التيارات الإسلامية فهو دائما يظهر كشخص أكاديمي يحفظ المبادئ الليبرالية و يفحم بها مناظره لأول دقائق و لكن عندما يتعرض لأسئلة عفوية فهو يتلعثم و يبدأ التراجع و هو ما يسميه بالتوافق. و هو دليل على نجاحه في حفظ المبادىء و مصطلحاتها الغليظة و ليس تطبيقها فعليا و الإيمان بها. و دائما ما يقوم بتبرير ذلك بأنه يريد التوافق مع التيارات الأخرى، و حقا مطلوب التوافق مع التيارات الأخرى على سياسات تعلو بشأن البلد و لكن ليس المطلوب التحايل على الحريات و الحقوق و ممارسة نوع من التقية الليبرالية، و لم ينتخبه الناس من اجل التوافق بل من اجل التنافس و تمثيل فكرهم في البرلمان ، و إذا كان لا يعي هذا فهو لا يعي مفهوم المعارضة السياسية و الفكرية.
و أخيرا و بالرغم من انتقادي لحمزاوي عبر تغريدات تويترية في العديد من المناسبات لكن ليس سبب كتابتي لهذا الرد هو ظهوره مع “توفيق عكاشة التيار الإسلامي” خالد عبد الله على قناة الناس، فهو لديه كامل الحرية في الظهور، لكن السبب الحقيقي هو ردة الفعل المبالغة تجاه ناقديه. فقد رأيت انه عوضا من أن يتواصل معنا او يقدم أسباب منطقية لردوده في مقابلته مع خالد عبد الله أو يعتذر عن تقصيره الذي وصل لدرجة الخنوع في الدفاع عن الليبرالية لكي يمتص الهجمة النقدية له. قرر إن يصحح الخطأ بـخطأ أكثر فداحة و هو استعداء ناقديه عن طريق المغالطة و التعالي ثم توجيه الاتهامات بالجهل و الدكتاتورية من خلال حالة قذافية كاد يصرخ فيها “من انتم” ثم تلتها مقالتين في جريدة الشروق لتشويه صورة ناقديه و التحايل على أسباب النقد عبر اختلاق الأكاذيب و تلميحات بأن نقاده مهووسون جنسيا و منحرفين لذلك غاضبون من تأييده لحجب المواقع الإباحية. حتى عناوين مقالته تنم عن طفولية لا تليق بأكاديمي و عضو مجلس شعب منتخب ، عنوان المقالة الأولى “ديكتاتورية باسم الليبرالية” في محاولة مسبوقة لمسئول منتخب في وصف ناخبيه بالديكتاتورية لمجرد تعرضه لهجمة نقدية منهم و عنوان المقالة الثانية “ليبراليين من منازلهم” في نظرة متعالية على منتقديه بصفة انه يملك “الحقيقة الليبرالية المطلقة” و انه الوحيد المؤهل “أكاديميا” لممارسة الليبرالية. لكن الحقيقة الفعلية التي قالها الدكتور حمزاوي هو نحن فعلا “ليبراليين من منازلهم” فنحن لا نمتهن الليبرالية و نسترزق منها إعلاميا و لكننا نمارسها إيمانا بفلسفتها في منازلنا و اعمالنا ايضا و أرجو من الدكتور إن لا يفقد توازنه مرة أخري فالدورة البرلمانية طويلة و سوف يتعرض للنقد كثيرا من ناخبيه و إلا سوف يجد نفسه في الانتخابات القادمة برلماني من منازلهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكنكم متابعتنا على تويتر ana_liberal@ و على فيسبوك www.facebook.com/ANA.Liberal.blog